القائمة الرئيسية

الصفحات

على ذات الخطى/آية علي البيرق/سوريا

 على ذات الخطى 

بعد مَوجة من التفكير المُضني و التثاؤبِ العَصيِّ، لم أكنْ على درايّةٍ بأنها ليلتي العشرينية الأخيرة .. بدأتُ بِفركِ عَينيّ شمسَ اليومِ التالي لأستغرب بصِغر كفةِ كِلّتا يداي، أين أظافري الطويلة؟ لأُدركَ بعدها أنَ سريري عاد مَركوناً في زاويته المُهترئَة القديمة عاودتُ فركَ عينيّ بِشدةٍ لعلَّه حُلمٌ عابرٌ، رفعتُ الغطاء لأنهض بِنشاطٍ مُدركةً أنَّ الأمرَ ليس كذلك، فقد نَحُلَ جسدي و بات كصِغره زماناً أي لُعبةٍ زمنيَّةٍ هذه؟ أيُّ آلةٍ رمَت بِشباكها نحوي؟ أثارَ الأمرُ غضبي في بادئِ الأمر، كشعوركَ لو دفعَك أحدُهم عن قِمة إيڤريست بعدَ أنْ بذلَتَ كاملَ قِواك لِتطالَ القمةَ بهذا التشبيِّه تماماً، لكن هذه اللعبة أخفُ وطأةً فهنا يمكنني اللهو بِماضي طفولتي اللطيف.. مودعةً أفكاراً عَبثيَّة كانَت تُطاردني، زِحامُ الموادِ الجامعيَّة و الاختبارات، المسؤوليات المُلقاة على عاتقي، و كلامُ المُجتمع التهكمي الذي لمْ ألتفِتْ يوماً لسذاجته، انتشلْتُ هذه العباراتِ السقيِّمةِِ من رأسي و قررتُ إمضاءَ يومٍ طفوليٍ بأكملهِ، مُتناسيةً فكرةَ ليلتي العشرينية الضائِعة! فلا أدري متى سأعودُ لِشبابي!؟ ربما هي فُرصةٌ ساعيةٌ، لربما شهرٌ بِحاله!؟ عُدت طفلةً !! تَهبُ للعبِ كُرةِ المضرب صباحاً، و ارتداء زلاجاتي ذات الثلاثةِ دواليب، مُفتقدةً ألعابها و فساتين الباربي، لتسريحةِ شعرها المُفضلةِ ذيلِ الحصان، تحتضنُ دُميتها الصغيرة ميكي و تحكي لها أسرارها و أُمنياتها البريئة ركضتُ نحوها مُفتقدةً إِياها و لِحجمها الصغير الذي احتضنَ كُلّ أحلامي لأُخبرها بما حَققتهُ قبل رَمي تلك التعويذة عليّ، أخبارٌ مُتزاحمةٌ في جُعبتي؛ قَضينا الليِّل بِطوله سهراً على الشُرفة لأستيقظَ في السادسة صباحاً على صوت أُميّ استعداداً للحضانة، ارتطمَتْ ألحانُ فيروز بمسمعي راقَتْ لي هذهِ المرة؛ فلم ترقْ لي قبلاً.. على أتمِّ الاستعدادِ ؛ لمْ أبرح أرضاً من كثرةِ البكاءِ هذه المرة تماسكتُ بشجاعةٍ ليومٍ و روتينٍ جديدٍ، سُررْتُ بكوني التلميذةَ الوحيِّدةَ التي لم تمسكْ المعلمةُ بيدها كبداية لأيِّ طفلٍ لمْ يخطْ بالقلمِ حرفاً.. من الممتع أن تقرأَ السطرَ دفعةً واحدةً دون تلعثمٍ بنُطقِ الأحرفِ ، لكن لذةُ القراءةِ زالت!! فأنا أهوى لذةَ الصعوبات، بأنْ أُخطئ و أتعلَّمْ أريدُ مواجهةَ الكلمة ِباستجماعِ مخارجِ حروفها و نُطقها بِصوتٍ لغويٍ سليمٍ ، مواجهةً كُلَّ صعوبةٍ و إنجازِ أبسطِ شيءٍ بالنسبةِ لطفلةٍ صغيرةِ الحجمِ .. فكرتُ مَلياً، ماذا لو امتدَتْ هذه اللعبةُ لسنواتٍ ؟ سأعيدُ حياتي بأكملها مع فارقٍ طفيفٍ أنني هذه المرة على عِلمٍ بنتيجة أي تصرفٍ أو قرارٍ كان صائباً أم خاطئاً، و على الرغم من هذا لو خيرتني هذهِ اللعبةُ بينَ تغييرِ الماضي الذي أعيشه حالياً أو تركه على حالهِ !! لاخترتُ عَثراتي ذاتها و لكنتُ صوبتُ أسهمي نحو ذات القراراتِ الخاطئة التي اتخذتها يوماً، لاحتضنتُ نفسي بِكُلِّ زلَّةٍ واجهتها و شجعتها على المِضيِّ قُدماً بِثباتٍ، و آمنتُ بأنني لم أُخلق كفتاة عادية تواجه روتيناً عُمرياً مُمل تأكل.. تشرب.. تدرس.. تلهو و تعمل. خُلقتُ لأَستنفذَ كُلّ إنجازٍ مُستحقٍ باسمي، لأصلَ لأعلى طموحٍ يُرضي نشوتي، هذهِ الثقةُ لمْ تكنْ عبثيةً يوماً استغرق بناؤها تسعة عشرة عُمراً ربيعياً.. كُلُّ الطُرق تقودكَ لحِلمكَ، ما دُمت صديقَ نفسَك الأول.

انتماء للثقافة والأدب 



تعليقات

التنقل السريع